((نبذة عن صبر وتحمل المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله))
إن الدين الإسلامي لم يصل إلينا اليوم عن فراغ أو بسهولة، بل بعناء وإتعاب كبير، وجهد بذله حامل الرسالة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ ليرى الناس الهدى، وتثمر في قلوبهم التقوى، ويخرجون من الظلمات إلى النور، وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما بعثني الله معلماً وميسرا)) فقد تحمل لذلك أذية شديدة من قبل أعداء الله المحاربين للدين، المظهرين للفساد، فحاصروه ومن معه من بني هاشم في شعب أبي طالب مدة ثلاث سنوات، فحضـروا عليهم التجارة، والتصدير، والإيراد، حتى أُكِلت الجلود والأعشاب من شدة الجوع، ومنعوا مناكحتهم ومواصلتهم بأي وِدٍّ أو أكل أو غير ذلك، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يمضـي قُدَماً إلى تحقيق مراد الله.
وفي إحدى المرات اجتمع كبار قريش إلى أبي طالب وقالوا: إن كان محمد يريد مالاً أعطيناه، أو ملكاً توجناه، أو..... فدخل أبو طالب إلى رسول الله وأخبره بأن كبار قومه وساداتهم يطلبون منه ترك سب آلهتهم؛ على أن يعطوه ما يريد من الملك أو المال... إلخ، فبكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال كلمته المشهورة: ((يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه)) فَرَقَّ أبو طالب لذلك وقال: افعل ما بدا لك يا ابن أخي ثم أنشد يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم*** حتى أوسد في التراب دفينا
ومن ذلك الأذى ما نال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الطائف، فلما توفي أبو طالب وطمعت قريش في رسول الله خرج إلى الطائف يلتمس نصـراً من ثقيف فأغْرَوا به سفهاءهم وعبيدهم فرموه بالحجارة وما كان يرفع قدمه ولا يضعها إلا والحجارة تقع فيه حتى ألجئوه إلى حائط فنادى ربه وتضرع إليه بكل ثقة وإيمان وطمأنينة قائلاً: ((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى جاهل يتجهمني أم إلى بعيد ملكته أمري إن لم يكن بك عليّ غضبٌ فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصَلُح عليه أمر الدنيا والآخرة مِنْ أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلاّ بك)).
فلما رآه ابنا ربيعة (عتبة وشيبة) وما لقي تحركت له رحمتهما، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس [وقالا له] خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه، ففعل عداس، ثم ذهب به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال له: كل.
فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده فيه قال: " بسم الله " ثم أكل، ثم نظر عداس في وجهه، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ومن أي بلاد أنت يا عداس وما دينك؟
قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قرية الرجل الصالح أخي يونس بن مَتَّى؟
فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن مَتَّى؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذلك أخي كان نبياً وأنا نبي.
فَأكبَّ عداس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه.
فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك.
فلما جاء عداس قالا له: ويلك يا عداس ! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدى ما في الأرض شئ خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبى.
قالا له: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه، لكن عداساً أصر على الإسلام.
ثم قدم رسول الله مكة، فأتاه سويد بن الحارث، من أشراف أهل الطائف، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ألست سويد بن الحارث؟ قال: بلى.
قال: ((يا سويد انزع عن عبادة الأصنام، يا سويد إن رجلاً من قومك يقال له عوف تلسعه رتيلاء فيموت عند المساء)).
ورجع سويد إلى قومه، فلما كان وقت المساء لسعت ذلك الرجل رتيلاء فقتلته، فأقبل سويد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسلماً.
واشتد إسلامه على أهل مكة، وانصـرف سويد يريد الطائف، فبعث أبو سفيان بن حرب بغلامٍ له أسود يدعى ريحان، يمشـي خلفه ليقتله، فخرج ولحق سويد بعقبة الطائف، فدلَّى الغلام الأسود عليه حجراً فقتله رحمة الله عليه.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما لريحان قطع الله يده عاجلاً)).
فاستقبله جمل بمكة لبني عوف فالتقم يده اليمنى حتى قطعها من المرفق، ولم ير قادمه حتى مات.
وأما مواقفه في الهجرة والجهاد في بدر وأحد والأحزاب وغيرها فقد ذكرها القرءان الكريم وفي كتب السيرة الكثير الطيب.