((كتاب الأزهار وأبرز الشروح والتعليقات التي كتبت عليه))
بقلم الدكتور / حمود عبدالله الأهنومي
كتاب الأزهار في فقه الأئمة الأطهار (مطبوع) وقد ألفه مؤلفه الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (ت840هـ) في السجن، عندما سجنه الإمام علي بن صلاح الدين، وبه كشف عن نبوغه وطموحه الذي لا يمكن حبسه، ويدل على عمق الإيمان وشدة الكفاح، ونوع من أدب السجون أو الثمرات التي ولدت بين جدرانها( ). ولا يزال هذا الكتاب معتمد الزيدية في اليمن في الفقه ويستظهره الكثير منهم غيبًا، وقد نال شهرة فائقة وصيتًا ذائعًا، وحظي بما لم يحظ به كتاب في تاريخ الزيدية مطلقًا من الاهتمام والعناية والشرح والدعم والتعليق والاعتراض، والرد على الاعتراض، فصار محورًا لنتاج كبير طويل امتدّ عمره الزمني من يوم تصنيفه وإلى يومنا هذا.
لقد ذكر المؤرخ الزحيف أن الأزهار في عصره مشهور البركة غير ممنوع الحركة، وطار في الآفاق، واشترك في تغيبه (حفظه) أخلاط الرفاق، ومؤلفه لا يزال على قيد الحياة، وهو الذي أشار إليه بقوله:
قد صار ما منعوه في حَلْيٍ وفي الـ
ـبيت العتيق وينبع وعراق( )
ولديّ قائمة طويلة بمن جعلوا الأزهار محور أعمالهم التأليفية في الفقه، فمنهم مَنْ عُنِيَ بشرحه، فمن معاصريه أخته العالمة دهماء بنت يحيى المرتضى (ت837هـ)، شرحته في أربعة أجزاء ، وشرحه تلميذه العلامة علي النجري في كتابه (الأنوار وجلاء الأثمار المنتزع من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار)( )، وتوجد نسخة كتبت في سنة 836هـ من كتاب (عقود الأثمار في تلخيص مشكلات الأزهار) للعلامة علي بن محمد قمر، (توفي منتصف القرن التاسع الهجري) في المتحف البريطاني( )، وقد وُصِفَ بالشرح العجيب( )، كما للعلامة عبد الرحمن بن عبد السلام (ت حوالي سنة 840هـ) (مختصر الأنهار في أدلة مسائل الأزهار)( )، ويظهر من عنوانه اعتناؤه بأدلة الأزهار واختصاره من كتاب أكبر منه لعله للمؤلف( )، وهناك كتاب محمد بن أحمد بن عبد الباعث (ت بعد سنة 840هـ) المسمى (جلاء الأبصار) جزءان استوفى فيه الأدلة على مسائل الأزهار( )، وللعلامة علي بن محمد الهاجري (ت 874هـ) شرح عليه أيضاً( ).
ومن أهم المؤلفات حول الأزهار في القرن العاشر الهجري هو محاولة حفيده الإمام شرف الدين (ت 965هـ) بتهذيب ألفاظ الأزهار وتحقيقها في كتابه (أثمار الأزهار)، ورغم شهرته بالتحقيق، إلا أنه لم يحظ بما حظي به الأزهار، وقد وضع عليه علماء عصره شروحاً، مثل شرح العلامة يحيى بن محمد المقراني (ت 990هـ)، والعلامة محمد بن يحيى بهران (ت 957هـ)( ).
وفي القرن الحادي عشر الهجري كان أبرز ما وُضِعَ على الأزهار، هو كتاب (ضوء النهار المشرف على صفحات الأزهار) للعلامة المجتهد الحسن بن أحمد الجلال (ت 1084هـ)( )، وقد انتقد الأزهار في مواضع، استفاد منها لاحقاً العلامة الشوكاني في سيله الجرار.
ومنها حاشية عبد القادر بن حمزة التهامي (ت 1013هـ)( )، وحاشية القاضي إبراهيم بن يحيى السحولي (ت 160هـ)( ).
ومن الكتب التي ألفت حوله كتاب (ضياء ذوي الأبصار في أدلة مسائل الأزهار) للسيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي (ت 1050هـ)( )، وقد سلك فيه مسلك التأييد لأغلب مسائله بالأدلة الشرعية وإن خالفه في بعض المسائل القليلة.
ومنها كتاب الأنهار، شرح على الأزهار للعلامة عبد الحميد بن أحمد المعافا (ت 1050هـ) الذي تميز بمحاولته التوفيق بين المتن وشرحه نحوياً( )، وفي القرن الثاني عشر ألف القاضي يحيى بن أحمد بن عواض الأسدي (ت 1106هـ) شرحاً عليه( )، وللقاضي الشهير مُقرِّر المذهب زيد بن عبد الله الأكوع (ت 1166هـ) التقارير والحواشي المشهورة في شرح الأزهار( )، وهناك حاشية على الأزهار أيضاً للعلامة إبراهيم بن خالد العلفي (ت 1106هـ)( ).
وأبرز ما ميز الحياة العلمية في القرن الثالث عشر الهجري هو ذلك السجال العلمي الذي بدأ بتأليف الإمام الشوكاني (ت 1250هـ) كتابه (السيل الجرار)( ) الذي اعترض فيه على مسائل الأزهار، وكان عنوانه وكثير من مضامينه مستفزا للوسط العلمي الزيدي؛ الأمر الذي أثار موجة رد عاصفة من معاصرة الإمام الشهيد محمد بن صالح السماوي (ت1241هـ) الذي رد عليه بكتابه (الغطمطم الزخار المطهر لحدائق الأزهار من نجاسات السيل الجرار)( ) الذي حال دون إتمامه حادثة مقتل مؤلفه المؤسفة على يد الإمام المهدي عبدالله بتدبير رئيس قضاته العلامة الشوكاني نفسه.
وفي القرن الرابع عشر الهجري ظهر كتاب (التاج المذهب في أحكام المذهب)( ) لمؤلفه العلامة أحمد بن قاسم العنسي، اقتصر فيه على ذكر المسائل التي قُرِّرَتْ للمذهب، وجعل الأزهار متنًا لكل تلك المسائل، ولا زال معتمد طلاب الزيدية إلى يومنا هذا.
ولعل أمير تلك الشروح وأكثرها شهرة هو كتاب العلامة عبد الله بن أبي القاسم بن مفتاح (ت877هـ) الشهير بـ(شرح الأزهار)، الذي أصبح بحواشيه وحواشي الحواشي من قبل فطاحل العلماء موسوعة مزدانة بأنضج الآراء، وقد طُبِعَ مرَّتين من قبل وزارة العدل اليمنية وقد صدرت طبعته الأولى عام 1980هـ وبتقديم وزير العدل آنذاك الذي ذكر أنه المرجع الأساسي للقضاة، فيما يصدرونه من أحكام، وأنه أهم مراجع تقنين أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
وقد انتزعه العلامة ابن مفتاح من كتاب (الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار)( ) الذي وضعه المؤلف نفسه، الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى، شرحا على كتابه المختصر، الأزهار، ولا يزال الغيث مخطوطاً، ونسخه الخطية كثيرة في مكتبتي جامع صنعاء وبعض المكتبات الخاصة( ).
وبما تقدّم يظهر أن الأزهار شكَّل عنصراً مثيراً في الحياة الفقهية في اليمن أثرى المكتبة العلمية بعشرات الكتب والحواشي والتعليقات ذات الأهداف المتنوعة شرحاً وتنقيحاً واعتراضاً وتأييداً.
ومنهم من نظمه شعراً، ومنهم من ألّف كتباً مستقلة في شرح مقدمته التي تتعلق بالتقليد والاجتهاد( )، ومنهم من تبرّع بعدِّ مسائله، ومنهم العلامة إدريس العبدي (ت في القرن التاسع الهجري)، وقد بلغت 27 ألف مسألة منطوقاً ومفهوماً( ).
رحم الله الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى ورحم الله العلماء العاملين المخلصين الذين أثروا المكتبة الفقهية في يمننا هذا بالآراء الفقهية الناضجة، التي صار عليها مدار الشريعة والفقه في اليمن الحبيب.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين..