((مسلم بن عقيل))
كان سيداً بطلاً شجاعاً, فاضلاً عابداً, مؤمناً تقياً, أرسله الإمام الحسين عليه السلام لينظر في صدق أهل العراق ورسائلهم, وأخذ البيعة, وبعد التعب الذي تحمله مسلم –رضوان الله عليه- في الطريق حتى نزل في بيت المختار بن أبي عبيد وأخذ البيعة فبايعه ثمانية عشـر ألف رجل, فأرسل إلى الإمام الحسين عليه السلام بأن يقدم إلى العراق فقد أخذ بيعتهم...
وجاء أمير الشـر الدعي ابن زياد ليتولى الكوفة مع البصـرة بولاية يزيد بن معاوية له, فلما وصل ظن الناس أنه الإمام الحسين عليه السلام فرحبوا به, فاغتاظ ودخل دار الإمارة, وبدأ بسياسة المكر والخداع, فانتقل مسلم إلى بيت هانيء بن عروة رئيس مذحج وشيخها –وجرى ما نذكره في ترجمة هانيء-
ولما حبس هانيء بن عروة تحرك مسلم لحصار دار الإمارة, وبالمكر والخديعة ووقوع التخالف والتخاذل في المبايعين بدأ النفور قليلاً قليلاً, رغم نصيحة مسلم لهم وكشفه لسياسة الطغاة, لكن بدأ المبايعون يتركون مسلماً في أثناء الصلاة وهكذا, فما أظلم الليل إلا ومسلم بن عقيل وحيداً في أفنية الكوفة, وما أعطته شـربة الماء إلا امرأة يقال لها (ريطة) ثم أدخلته دارها, وكان ابنها غلاماً لمحمد بن الأشعث أحد جنود بل قواد ابن زياد, وبدوره أبلغ مولاه ابن الأشعث, وهو بدوره أبلغ أميره الطاغية عبيدالله بن زياد –لعنهم الله- فجهز كتيبة كبيرة للهجوم على مسلم بن عقيل –رضوان الله عليه- فلما سمع ضجتهم ورأى كثرتهم وهم يريدون الإمساك به حمل سيفه وتقدم في شجاعة وبطولة هاشمية قلَّ نظيرها, وتقدم وهو يقول:
أبى الله أن لا أموت إلا حرا
وإن كان الموت شيئاً مرا
وقاتل فقتل الأعداد منهم, فتسلقوا عليه سطح المنزل ورموه من أعلاه ومن كل جانب, واشعلوا النار عليه, وأعطاه ابن الأشعث الأمان فأبى أن يتسلم حتى أثخنته الجراح وآلمته النار, وفتر عن حمل السيف, فأخذوه وأدخلوه على ابن زياد فلم يسلم عليه, فقال الحرس: ألا تسلم على الأمير؟ فقال: إن كان الأمير يريد قتلي فما سلامي عليه؟!!.
قال ابن زياد: أتظنون أن لكم في الخلافة حقاً؟
فقال مسلم: بل هو اليقين.
قال ابن زياد: أذاً والله تقتل. فقال مسلم: أكذلك؟ قال: نعم. فقال: دعني أوصي إذاً, فدعى عمر بن سعد فأوصى إليه.
ثم دعا ابن الأشعث وأوصاه أن يبعث للإمام الحسين عليه السلام بحقيقة عذر أهل العراق وعدم الوفاء, وأن لا يقدم على العراق... ولكن ابن الأشعث لم يف بذلك, وكذلك ابن سعد.
ثم قال الطاغية لمسلم: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام.
فقال مسلم: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما ليس فيه.
فقال الطاغية: اصعدوا به فوق القصـر فاضـربوا عنقه.
فصعدوا به إلى أعلا القصـر وهو يستغفر وصلى على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى رسل الله وأنبياءه وملائكته ثم قال: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكادونا وخذلونا.
فقطع رأسه بكير بن حمران –لعنه الله- ثم أتبع رأسه جسده إلى الأرض.
ثم صلب هو وهانىء بن عروة منكوسين رحمة الله عليهما.
هذا وقد ذكر بعضهم أن طفلين لمسلم يقال لهما إبراهيم ومحمد قد أخذا في كربلاء وقتلا وذكروا قصة طويلة والله أعلم بصحتها.
وذكر ابن سعد أنهما ولدا عبدالله بن جعفر, وعلى كل فالروايات مضطربة, وفي الحكاية تفاصيل لا يمكن قبولها عند ذوي النقد البنأ من أهل العلم رواية ودراية.
--من كتاب الإمام الحسين بن علي عليه السلام أهله وأصحابه
((بحث عن عظماء الثورة الحسينية)) للسيد العلامة القاسم بن الحسن السراجي---